الخميس، 15 مارس 2012

قالت الناعورة وهي تدور:

قالت الناعورة وهي تدور:
وهي تسقي البساتين والدور وتقول وهي تدور على الباغي تدور الدوائر
هكذا تكلمت الناعورة وهكذا سمعت حديثها وسمعها الأولون منذ سنين غابرة فهل سمعتم أنتم حديثها العذب مع عذوبة مائها المتدفق من صناديقها الخشبية ؟؟؟

بقيت تدور وهي ثابتة في دورانها بل تسقي الجفاف ولم تجف من الدوران أرأيتموها وهي تدور دورتها الكاملة ؟

ما أجملك أيتها الناعورة وما أرسخ ثبوتك العتيق ؟

وما أجودك وأنت تمدين الأرض القاحلة بماء يرويها بعد ظمأ صدع تربتها

فلنشبه هذه الحياة ودورانها بناعورة كبيرة فيها أجناس وأجناس وفيها حكام ومحكومين وفيها ظلام ومظلومين وفيها شرفاء ودون ذالك وفيها

وفيها .... ما يعجز اللسان واللب عن وصفها ....

ومع دوران ناعورة الحياة نرى من يتلذذون بالحياة ويستمتعون بها على أشلاء الأبرياء



ونرى قوم بأيديهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس
ونرى جرحى وموتى وجوعا ....

ونرى من يسعف الضعيف ويمد له يد العون

ونرى من يدوس على الجريح ويطعنه طعنة أخرى كي لا يسمع صوت أنينه

ونرى ثكلى تصرخ ولكن دون صدى ...

ونرى أطفال طواهم الجوع والفقر

ونرى أطفال حصدتهم آلة الحرب ...

ونرى عجائز رسمت الدموع على وجوههن المجعدة خطوط للدموع صارت مجاري لها

ونرى شيوخ هدهم الجفاء وتنكر لهم الأبناء

وتبقى ناعورة الحياة تدور وهي تتوعد الظالم بأن لها معه جولة


حين كانت الناعورة تدور .... سمعت فوضى ورأت ظلما وجور من سادة تزعموا قيادة الناعورة وقالوا لمن خلفهم لا تشربوا حتى نشرب ونرتوي

رضخ من هم خلفهم لما أمروا أسكتوا عطشهم وقالوا فليشربوا بعدها سنشرب....


أسكتوا أفواه جفت حلقها وطال انتظارها لقطرة ماء ...

وسادة الناعورة المتزعمون لقيادتها ما زالوا يشربون ويرتوون بل يسبحون ويغرقون في ماء الناعورة العذب والقوم عطشى أضناهم العطش ولاسيما أن هناك أفواه صغيرة لا تحتمل الانتظار


هنا قالت الناعورة قولتها الشهيرة :
على الباغي تدور الدوائر
آه يا دنيا كم رفعت أقوام وأسقطت آخرين ....

وكم سحبت من بساط فخم تحت أقدام علت عليه لتهوي وتسقط بين عامة القوم

وكم بسطت لأقوام بساط العز والسؤدد ليرفع شأنهم وتنصب رايتهم

يا الله .... كم غفلنا وجهلنا وتناسينا أن الأيام دول وأن على الباغي تدور الدوائر ....

هنا أختم بتذكرة لي ولمن أمن مكر الله


قال تعالى : (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ
الْخَاسِرُونَ)
المقصود من هذا تحذير العباد من الأمن من مكره بالإقامة
على معاصيه والتهاون بحقه ، والمراد من مكر الله بهم كونه يملي لهم ويزيدهم من النعم والخيرات وهم مقيمون على معاصيه وخلاف أمره ، فهم جديرون أن يؤخذوا على غفلتهم ويعاقبوا على غرتهم بسبب إقامتهم على معاصيه وأمنهم من عقابه وغضبه ،
كما قال سبحانه : (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا
يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ)
وقال عز وجل
: (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)
وقال
سبحانه : (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ)
أي آيسون من كل خير
.
فالواجب على المسلمين ألا يقنطوا من رحمة الله ولا يأمنوا من مكره وعقوبته ، بل يجب على كل مسلم أن يسير إلى الله سبحانه في هذه الدنيا الدار الفانية بين الخوف والرجاء ، فيذكر عظمته وشدة عقابه إذا خالف أمره فيخافه ويخشى عقابه ،ويذكر رحمته وعفوه ومغفرته وجوده وكرمه فيحسن به الظن ويرجو كرمه وعفوه ،والله الموفق سبحانه لا إله غيره ولا رب سواه
نسأل الله العفو والعافية والسلامة من الجهل والغفلة


بقلم :أم حازم
عصر يوم الأحد 13 شوال 1432هـ
الموافق لـ 11-09-2011مـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق