الخميس، 15 مارس 2012

لمن أراد الجنة *الأم طريقها ( صور حية من البر بالأمهات )


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لقد خلق الله جلا وعلا هذا الكون الواسع ببره وبحره وسمائه ومائه
ودوابه
وخلق آدم ثم حواء ليعمرا هذا الكون وتنتشر فيه الحياة
بدأت البشرية في تكاثر مستمر وتزاوج وتوالد فصارت البشرية آباء وأمهات وأبناء كل له حق على الآخر

للزوج حق على زوجته وللزوجة حق على زوجها وللأبناء حق على الآباء وللآباء حق على الأبناء من بر وطاعة وخدمة وحسن رعاية

هذا لتستمر الحياة في نظام ورحمة وألفة بين البشرية كل يعرف ما له وما عليه ويقف عند خط أحمر لا يتعداه ليؤدي الطرف الثاني دوره في الحياة





جاء القرآن الكريم فجعل الأمر ببر الوالدين بعد عبادة الله وحده، بعد التوحيد.
( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا . وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا . رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا ) الإسراء/23-25

تؤكد هاتين الآيتين على أمرين عظيمين :الأول, التأكيد على أصل توحيد الله, والثاني الإحسان إلى الوالدين.

الوالدان، اللذان هما سبب وجود الإنسان، ولهما عليه غاية الإحسان الوالد بالإنفاق والوالدة بالولادة والإشفاق


يقول حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: ثلاث آيات مقرونات بثلاث، ولا تقبل واحدة بغير قرينتها

1- وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول )[التغابن: 12]،
فمن أطاع الله ولم يطع الرسول لم يقبل منه.

2- (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة )[البقرة: 43]،
فمن صلى ولم يزكِّ لم يقبل منه.

3- (أن اشكر لي ولوالديك) [لقمان: 14]،
فمن شكر لله ولم يشكر لوالديه لم يقبل منه.

ومن ذلك: ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (رضا الرب في رضا الوالدين، وسخطه في سخطهما ) رواه الطبراني في الكبير، وصححه العلامة الألباني .

أخواتي الكريمات : إذا لا يشك عاقل في فضل الوالدين ووجوب برهما وحسن صحبتهما في الدنيا بمعروف
اليوم إن شاء الله سنسلط الضوء على بر الأم وما لها من فضل وهنا لسنا ننتقص من فضل الأب أو وجوب بره
لكن للأم ميزة خاصة

ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ! من أحقُّ الناس بحسن صحابتي؟ قال: "أمّـك"، قال: ثم من؟ قال: "أمّك"، قال: ثم من؟ قال "أمّـك"، قال ثم من؟ قال: "أبوك".

وهذا الحديث مقتضاه أن يكون للأم ثلاثة أمثال ما للأب من البر، وذلك لصعوبة الحمل ثم الوضع ثم الرضاع، فهذه تنفرد بها الأم وتشقى بها، ثم تشارك الأب في التربية، وجاءت الإشارة إلى هذا في قوله تعالى:

(ووصيّنا الإنسان بوالديه حملته أمّه وهناً على وهنٍ وفصاله في عامين) لقمان:14.

وهذا الفضل وهذه الميزة لما لاقته الأم عند الحمل طيلة تسعة أشهر عانت الأمرين وكابدت المشاق وحرمت لذة الطعام والنوم أصابها أرق وتعب ونصب

ثم جاء يوم الطلق وهي بين يدي الرحمن متطلعة لرؤية وجه صغيرها بشغف لذاك الذي شاركها متاعبها وطعامها وشرابها طيلة هذه الفترة
لترى معه وفيه بهجة الحياة وزينتها أشرفت على الموت ليأتي هو للحياة

ولقد ضرب لنا السلف الصالح أروع الأمثلة في بر أمهاتهم
عن عائشة رضي الله عنها:

رجلان من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم كانا من أبر من كان في هذه الأمة بأمهما، فيقال لها: من هما؟ فتقول: عثمان بن عفان، وحارثة ابن النعمان
فأما عثمان فإنه قال: ما قدرت أن أتأمل أمي منذ أن أسلمت.
وأما حارثة فإنه كان يطعم أمه بيده.

رأى ابن عمر رجلاً قد حمل أمه على رقبته وهو يطوف بها حول الكعبة، فقال: يا ابن عمر؟ أتراني جازيتها؟ قال: ولا بطلقة من طلقاتها ولكن قد أحسنت والله يثنيك على القليل كثيراً.
إني لها بعيرها المذلل
إن ذُعرت ركابها لم أذعر

وهذا أبا هريرة رضي الله عنه كان إذا أراد أن يخرج من بيته وقف على باب أمه فقال: السلام عليك يا أماه ورحمة الله وبركاته، فتقول: وعليك السلام يا ولدي ورحمة الله وبركاته، فيقول: رحمك الله كما ربيتني صغيراً، فتقول: رحمك الله كما بررتني كبيراً.

أما عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: فقد طلبت والدته في إحدى الليالي ماء، فذهب ليجيء بالماء، فلما جاء وجدها نائمة، فوقف بالماء عند رأسها حتى الصباح، فلم يوقظها خشية إزعاجها، ولم يذهب خشية أن تستيقظ فتطلب الماء فلا تجده.

أما ابن عون المزني :فقد نادته أمه يوماً فأجابها وقد علا صوته صوتها ليسمعها، فندم على ذلك وأعتق رقبتين.

صور رائعة بقيت مشرقة عبر صفحات التاريخ لتكون درسا نافعا وصالحا لكل جيل وفي كل عصر
لكن أين نحن من هؤلاء وأين نحن من البر بأمهاتنا وصور مؤسفة نراها ونسمعها في مجتمعاتنا اليوم من عقوق وعصيان ورمي للأمهات

هذا يضرب أمه وذاك يرميها في دور المسنين وهذا يفضل زوجته وولده على أمه وهذا يرفع صوته عليها والآخر يلقبها بأبشع الألقاب بل وصل الحد إلى أن أن طعن أحدهم بطن أمه بسكين ليرديها قتيلة
أي قلب هذا الله المستعان ....

نعم رأينا وسمعنا عن عقوق كثير لكن هناك سؤال يطرح نفسه
مع كل ما رأينا من عقوق وسمعنا ألا توجد صور مشرفة في هذا العصر من بر بالأمهات ؟؟؟؟

تعالوا نلقي نظرة على مجتمعنا ونسلط الضوء على جنابته لنكتشف ولو عينة واحدة وبها نستبشر خيرا ونقول حمد لله الخير باق في أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى يوم الدين

-1رأيت بأم عيني معاملة فتاة عزباء لأمها وحسن برها لوالدتها ورعايتها وخدمتها في وقت تنكر لها باق إخوتها تحملت مسؤوليتها صارت عينها التي ترى بها ورجلها التي تمشي بها تتابع خطوات أمها المثقلة والتي أعيتها السنين
أصيبت الأم بداء النسيان فصارت لها من الماضي طيف ذكريات ومن الحاضر قد تعقل القليل وتنسى الكثير
المرأة لم تعد تقوى على خدمة نفسها والفتاة لها خارج البيت وظيفة تخيلوا من خوفها على والدتها تأخذها معها لوظيفتها وتجلسها إلى جنبها أمام مكتبها لتكون عينها على دفاترها والأخرى على أمها
تميط الأذى عن والدتها بيمينها علّها ترد لها القليل من رعاية الطفولة
تطعمها تكسوها تنظفها ترعاها كأنها طفلة صغيرة بين يديها
أتابع خطواتها المرافقة لخطوات والدتها فرأيت في الفتاة صبرا وحلما وحسن رعاية لم أرها من قبل وفي هذا الزمن وفي هذا الجيل
استبشرت خيرا وقلت الحمد لله الخير لم ينقطع بعد


-2 وأخرى تطبب أمها المبتورة رجلها لتكون هي رجلها التي تمشي عليها وعينها التي تنظر بها وفمها الذي تطعم منه
رفضت الفتاة الزواج وتردد الخطاب من أجل خدمة أمها ورعايتها والوقوف جنبها لأن الزواج سيحرمها من رعاية والدتها ملازمة لها البيت لتكون في أهبة الاستعداد لأي خدمة ....


يا الله .... كم هذا رائع وكم يشعرنا بالارتياح وان في هذا الجيل خوف الله مازال يكمن في النفوس
وأن للكبار لم تعد دور المسنين بالشيء المهم
بل هم ملوك في بيوتهم ومن أبنائهم خدم وحشم

-3 بر والدي بأمه لم أره بل سمعتهم يحكون عنه وعن صبره معها وتحمله لمتاعبها ومرضها
تنازله عن حقوقه وحياته الخاصة لأجل إرضاء والدته حتى وهي له ظالمة
صبر واحتسب الأجر فسخر الله له ذرية طيبة به بارين وكلهم صالحين حتى كان يقول لقد رزقني الله كنزا لا يفنى وبه صرت من أغنى الناس
رزقني الله ذرية طيبة وبنات صالحات بهن أفتخر بين الناس
رحمك الله والدي ورزقك فردوسه الأعلى


هذه بعض العينات مما رأيت بعيني وسمعت بأذني عن قرب وفي هذه الأمة خير كثير وكثير يخفى عنا
إذا هنا حط مركب قملي وفي النفس أمور لعلي سأفصح عنها في صفحات أخرى من حياة البشر وتعاملهم فيما بينهم
فأختمها و أقول :
الأيام دول وكما تدين تدان
اليوم لك وغدا عليك
فاتقي الله أيها العاقل في يومك وكن بارا بوالديك تسعد في غدك وتجد من يبرك
اللهم ارزقنا رضاهما ونعوذ بك من عقوقهما
فيا أيها الأبناء ..
بروا آباءكم.. يبركم أبناؤكم

إذا أختي المصونة نقبي في مجتمعك في أسرتك ومحيطك وأعطينا نماذج حية رأيتها أو سمعت عنها تروي
عن بر حقيقي بالوالدين في هذا الزمن الذي كثر فيه العقوق وتنكر الأبناء للآباء لنتنفس بعدها الصعداء ونقول الحمد لله
أعطيتك ثلاث فلا تبخلي بواحدة
بقلم : أم حازم

صبيحة يوم الخميس 11 جمادي الأولى 1432هـ
الموافق لـ :14-04-2011مـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق